27 Apr
27Apr

24-07-2015


أهلاً بكم خارج سوريا، اللافتة الوحيدة التي كنت أقرأها دائماً في تنقلاتي الكثيرة، كل ما يهم في أي لافتة أن تقول «أهلاً بكم خارج سوريا». ليس هذا بطراً وطنياً ولا قلة شرف ولا تعاملاً مع الليبراليين الجدد أتباع أمريكا، والكلام الفارغ إلى آخره .. إنه قرار يأخذه أي عاقل بالغ راشد قادر على التخلص من الحدود الوطنية للسلبية.

لقد كنت محاصراً فعلاً بأرقام التلفونات المكدسة في الموبايلات، والتي تتيح لك أن تتمتع بالوحدة الوطنية كريسبي، الوحدة الوطنية المولّعة، الخط الساخن للتطوير والتحديث والتشحيم والتغيير.

وهكذا دخلت الجامعة مع بداية مسيرة التطوير والتحديث (كلما خطرت كلمة مسيرة على بال سوري قفزت إلى مخيلته الجموع البشرية الهائجة بمناجلها ومطارقها تدك أبواب الكرملين لتحصل على الرغيف)، حيث تحدّث وتطوّر كل شيء من حولي وبقيت رجعياً متخلفاً أؤمن بالرجل المناسب في المكان المناسب، وبورقة شرعة حقوق الإنسان التافهة التي تشبه «الكيندر سربرايز»، الحلم الوطني الشامل لأطفال سوريا في عمري.

كانت كلمة التطبيشات الوزنية أول مطرقة ضربت حلمي في أن أصبح كاتباً في مدينتي السلبية حتى النخاع، حمص العدية. كان ذلك عندما أرسلت باكورة أشعاري «التفعيلة» إلى كبير شعراء حمص الذي أصبح كبير معارضيها الوطنيين تحت سقف الوطن بعد الثورة، وكانت الإجابة: «لولا بعض التطبيشات الوزنية لكان شعراً...».

كانت كل التطبيشات المحيطة في هذا الوطن تنزل على رأسي المتواضعة .. انتخابات هيئة إدارية مطبشة على حجم الفسيفساء الطائفية المقيتة التي تمتاز بها هذه البقعة الموبوءة من الكرة الأرضية، حيث يصرخ أحد الناشطين الانتخابيين (الذي لم يكن طالباً أصلاً) في مدرج الانتخابات «وين ولادك يا جبل وين»، ليجيبه ناشط انتخابي آخر بسرقة صندوق الأصوات والركض به إلى أقصى المدرج ليرمي حزمة الأوراق الانتخابية التي اتسعت لها يده من النافذة إلى فم الريح الحمصية الباردة.

ضاعت أصواتنا لحسن الحظ بتطبيشة انتخابية واحدة!!

لم يكن أمامي في هذه الحالة العصيبة سوى أن أتوجه إلى اتحاد الكتاب الحمصي الذي يضم خمسة وعشرين حاجاً بالمعنى العمري والديني، فمن لم يحج إلى مكة حج إلى غيرها كما يقول المثل الذي ألفته في هذه اللحظة ... كانوا شعراء وكتاباً قرأوا بالفعل كل ما كتبته البشرية التعيسة في القرنين السابقين، ولكنهم لم يستوعبوا كيفية التعامل مع المواهب الشابة، ربما كان هؤلاء الحجاج جميعاً مساكين مثلنا جاؤوا يوماً ما إلى حرم اتحاد الكتاب بمواهب فذة فتية طبشها الحجاج السابقون.. مفرخة من الحجاج السابقين واللاحقين تستفيد من روتين هذه المدينة المخبولةِ الطقس.

لم يعد أمامي كعقائدي شرس مثل أي حمصي عتيد سوى الاتجاه إلى الحزب، الحزب نعم، تذكرت على الفور أنني قد انتسبت طوعاً في يوم ما من أيام طفولتي إلى الحزب العظيم، الذي لم يستطع أي حزب آخر أن يصيح في وجهه ولو بكلمة (ما أحلى الحزب بعينك) على مر السنين.

كان عليّ إذاً نقل تنظيمي الحزبي من المدرسة العقائدية إلى الجامعة العقائدية أيضاً، ذهبت كأي حزبي شريف عفيف لطيف نحيف (وعذراً على السجع التافه طبعاً) إلى فرع الحزب، وجدت اسم أبي وأخي وأمي وجارتنا أم خالد وعمي وعمتي وجدي وجدتي وجد جارتنا أم حسام والحمد لله، لقد كانت شجرة عائلتي وسلسفيلي بأكمله مسجلاً في هذا السجل.

لم يكن اسمي موجوداً لحسن الحظ، وأقسم أن موظف التنظيم -إذا صح لي تقليده هذا المنصب- قد ابتسم، نعم فالحزبيون كائنات قادرة على الابتسام، دعك من الثورة وتداعياتها على الحلم القومي والمكانة الجغرافية والعروبة والإسلام والإمبريالية، لقد ابتسم الرجل حقاً حتى تحول شاربه الدقيق إلى حاجب مشدوه من المفاجأة.

لقد أكل الفأر اسمك ورقمك الحزبي من السجل... فغادرت سوريا على عجل.. حقاً... هذا ما حصل بالفعل.

ملحق أشكال ألوان

راديو ألوان  FM



تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.